فصل: من فوائد القاسمي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم} أي ومثل تزيين قسمة القربان بين الله وآلهتهم وجعلهم آلهتهم شركاء لله في ذلك.
قال الزمخشري: أو مثل ذلك التزيين البليغ الذي علم من الشياطين وقال ابن الأنباري: ويجوز أن يكون {وكذلك} مستأنفًا غير مشار به إلى ما قبله فيكون المعنى وهكذا زين؛ انتهى.
و{كثير} يراد به من كان من مشركي العرب.
قال مجاهد: {شركاؤهم} شياطينهم أمروهم أن يدفنوا بناتهم أحياء خشية العيلة.
وقال الكلبي: {شركاؤهم} سدنتهم وخزنتهم التي لآلهتهم كانوا يزينون لهم دفن البنات أحياء.
وقيل: رؤساؤهم كانوا يقتلون الإناث تكبرًا والذكور خوف الفقر.
وقال الزمخشري: {قتل أولادهم} بالوأد أو بنحرهم للآلهة، وكان الرجل يحلف في الجاهلية لئن ولد لي كذا غلامًا لينحرن أحدهم كما حلف عبد المطلب.
وقرأ الجمهور: {زين} مبنيًا للفاعل ونصب {قتل} مضافًا إلى {أولادهم} ورفع {شركاؤهم} فاعلًا بزين وإعراب هذه القراءة واضح، وقرأت فرقة منهم السلمي والحسن وأبو عبد الملك قاضي الجند صاحب ابن عامر {زين} مبنيًا للمفعول {قتل} مرفوعًا مضافًا إلى {أولادهم شركاؤهم} مرفوعًا على إضمار فعل أي زينه شركاؤهم هكذا خرجه سيبويه، أو فاعلًا بالمصدر أي {قتل أولادهم شركاؤهم} كما تقول: حبب لي ركوب الفرس زيد هكذا خرجه قطرب، فعلى توجيه سيبويه الشركاء مزينون لا قاتلون كما ذلك في القراءة الأولى، وعلى توجيه قطرب الشركاء قاتلون.
ومجازه أنهم لما كانوا مزينين القتل جعلوا هم القاتلين وإن لم يكونوا مباشري القتل، وقرأت فرقة كذلك إلا أنهم خفضوا شركائهم وعلى هذا الشركاء هم الموءودون لأنهم شركاء في النسب والمواريث، أو لأنهم قسيمو أنفسهم وأبعاض منها.
وقرأ ابن عامر: {كذلك} إلا أنه نصب {أولادهم} وجر شركائهم فصل بين المصدر المضاف إلى الفاعل بالمفعول وهي مسألة مختلف في جوازها، فجمهور البصريين يمنعونها متقدموهم ومتأخروهم ولا يجيزون ذلك إلا في ضرورة الشعر، وبعض النحويين أجازها وهو الصحيح لوجودها في هذه القراءة المتواترة المنسوبة إلى العربي الصريح المحض ابن عامر الآخذ القرآن عن عثمان بن عفان قبل أن يظهر اللحن في لسان العرب، ولوجودها أيضًا في لسان العرب في عدة أبيات قد ذكرناها في كتاب منهج السالك من تأليفنا ولا التفات إلى قول ابن عطية وهذه قراءة ضعيفة في استعمال العرب، وذلك أنه أضاف الفعل إلى الفاعل وهو لشركاء ثم فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول ورؤساء العربية لا يجيزون الفصل بالظروف في مثل هذا إلا في الشعر كقوله:
كما خط الكتاب بكف يومًا ** يهودي يقارب أو يزيل

فكيف بالمفعول في أفصح كلام ولكن وجهها على ضعفها أنها وردت شاذة في بيت أنشده أبو الحسن الأخفش:
فزججته بمزجة ** زج القلوص أبي مزاده

وفي بيت الطرماح وهو قوله:
يطفن بجوزي المراتع لم يرع ** بواديه من قرع القسيّ الكنائن

انتهى كلام ابن عطية، ولا التفات أيضًا إلى قول الزمخشري: إن الفصل بينهما يعني بين المضاف والمضاف إليه فشا لو كان في مكان الضرورات وهو الشعر أكان سمجًا مردودًا فكيف به في القرآن المعجز لحسن نظمه وجزالته؟ والذي حمله على ذلك أن رأى في بعض المصاحف شركائهم مكتوبًا بالياء، ولو قرأ بجر الأولاد والشركاء لأن الأولاد شركاؤهم في أموالهم لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب؛ انتهى ما قاله.
وأعجب لعجمي ضعيف في النحو يرد على عربي صريح محض قراءة متواترة موجود نظيرها في لسان العرب في غير ما بيت وأعجب لسوء ظن هذا الرجل بالقراء الأئمة الذين تخيرتهم هذه الأمة لنقل كتاب الله شرقًا وغربًا، وقد اعتمد المسلمون على نقلهم لضبطهم ومعرفتهم وديانتهم ولا التفات أيضًا لقول أبي علي الفارسي: هذا قبيح قليل في الاستعمال ولو عدل عنها يعني ابن عامر كان أولى لأنهم لم يجيزوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام مع اتساعهم في الظرف وإنما أجازوه في الشعر؛ انتهى.
وإذا كانوا قد فصلوا بين المضاف والمضاف إليه بالجملة في قول بعض العرب هو غلام إن شاء الله أخيك فالفصل بالمفرد أسهل، وقد جاء الفصل في اسم الفاعل في الاختيار.
قرأ بعض السلف: مخلف وعده رسله بنصب وعده وخفض رسله وقد استعمل أبو الطيب الفصل بين المصدر المضاف إلى الفاعل بالمفعول اتباعًا لما ورد عن العرب فقال:
بعثت إليه من لساني حديقة ** سقاها الحيا سقي الرياض السحائب

وقال أبو الفتح: إذا اتفق كل شيء من ذلك نظر في حال العربي وما جاء به فإن كان فصيحًا وكان ما أورده يقبله القياس فالأولى أن يحسن به الظن، لأنه يمكن أن يكون ذلك وقع إليه من لغة قديمة قد طال عهدها وعفا رسمها.
وقال أبو عمرو بن العلاء: ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله ولو جاءكم وافرًا لجاءكم علم وشعر كثير ونحوه ما روى ابن سيرين عن عمر بن الخطاب أنه حفظ أقل ذلك وذهب عنهم كثيره يعني الشعر في حكاية فيها طول.
وقال أبو الفتح: فإذا كان الأمر كذلك لم نقطع على الفصيح إذا سمع منه ما يخالف الجمهور بالخطأ؛ انتهى، ملخصًا مقتصرًا على بعض ما قاله.
وقرأ بعض أهل الشام ورويت عن ابن عامر {زين} بكسر الزاي وسكون الياء على القراءة المتقدمة من الفصل بالمفعول، ومعنى {ليردوهم} ليهلكوهم من الردى وهو الهلاك {وليلبسوا} ليخلطوا و{دينهم} ما كانوا عليه من دين إسماعيل حتى زلوا عنه إلى الشرك.
وقيل {دينهم} الذي وجب أن يكونوا عليه.
وقيل: معناه وليوقعوهم في دين ملتبس.
وقرأ النخعي {وليلبسوا} بفتح الياء.
قال أبو الفتح: استعارة من اللباس عبارة عن شدة المخالطة واللام متعلقة ب {زين}.
وقال الزمخشري: إن كان التزيين من الشياطين فهي على حقيقة التعليل، وإن كان من السدنة فعلى معنى الصيرورة.
{ولو شاء الله ما فعلوه} الظاهر عود الضمير على القتل لأنه المصرّح به والمحدّث عنه والواو في {فعلوه} عائد على الكثير.
وقيل: الهاء للتزيين والواو للشركاء.
وقيل: الهاء للبس وهذا بعيد.
وقيل: لجميع ذلك إن جعلت الضمير جار مجرى الإشارة وهذه الجملة ردّ على من زعم أنه يخلق أفعاله.
وقال الزمخشري: {ولو شاء الله} مشيئة قسر؛ انتهى، وهو على مذهبه الاعتزالي.
{فذرهم وما يفترون} أي ما يختلقون من الإفك على الله والأحكام التي يشرعونها وهو أمر تهديد ووعيد. اهـ.

.من فوائد أبي السعود في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وكذلك} ومثلَ ذلك التزيينِ وهو تزيينُ الشرك في قسمة القُربانِ بين الله تعالى وبين آلهتهم، أو مثلَ ذلك التزيينِ البليغِ المعهودِ من الشياطين {زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مّنَ المشركين قَتْلَ أولادهم} بوأدهم ونحْرِهم لآلهتهم. كان الرجل يحلِف في الجاهلية لئن وُلد له كذا غلامًا لينحَرَنّ أحدهم كما حلف عبدُ المطلب وهو مشهور {شُرَكَاؤُهُمْ} أي أولياؤهم من الجن أو من السَّدَنة وهو فاعلُ زَيَّن أُخِّر عن الظرف والمفعولِ لما مر غيرَ مرةٍ، وقرئ على البناء للمفعول الذي هو القتلُ ونصبِ الأولاد وجرِّ الشركاء بإضافة القتلِ إليه مفصولًا بينهما بمفعوله وقرئ على البناء للمفعول ورفعِ قتل وجرِّ أولادِهم ورفعِ شركاؤهم بإضمار فعل دل عليه زُيِّن كأنه لما قيل: زُيِّن لهم قتلُ أولادِهم قيل: مَنْ زيَّنه؟ فقيل: زينَّه شركاؤُهم {لِيُرْدُوهُمْ} أن يهلكوهم بالإغواء {وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ} وليخلِطوا عليهم ما كانوا عليه من دين إسماعيلَ عليه السلام أو ما وجب عليهم أن يتدينوا به واللامُ للتعليل إن كان التزيينُ من الشياطين وللعاقبة إن كان من السدنة {وَلَوْ شَاء الله} أي عدمَ فعلهم ذلك {مَّا فَعَلُوهُ} أي ما فعل المشركون ما زُيّن لهم من القتل أو الشركاءُ من التزيين أو الإرداء واللبس، أو الفريقان جميعَ ذلك على إجراء الضميرِ مُجرى اسمِ الإشارة {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} الفاءُ فصيحة أي إذا كان ما فعلوه بمشيئة الله تعالى فدعهم وافتراءَهم أو وما يفترونه من الإفك فإن فيما شاء الله تعالى حِكَمًا بالغة إنما نُملي لهم ليزدادوا إثمًا ولهم عذاب مهين، وفيه من شدة الوعيد ما لا يخفى. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} أي: مثل ذلك التزيين، وهو تزيين الشرك في القسمة المتقدمة، زين لهم أولياؤهم من الشياطين ما هو أشد منه قبحًا في باب القربان، وهو قتل أولادهم خشية الإملاق، ووأد البنات خشية العار، وإنما سميت الشياطين شركاء، لأنهم أطاعوهم فيما أمروهم به من قتل أولادهم، فأشركوهم مع الله في وجوب طاعتهم،: {لِيُرْدُوهُمْ} أي: يهلكوهم بالشرك وقتل الولد. من (الإرداء. وهو، لغة، الإهلاك)،: {وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ} أي: ليخلطوا عليهم ما هم عليه، بدين إبراهيم في ذبح إسماعيل عليهما السلام. أو ما وجب عليهم أن يتدينوا به، لأنهم كانوا على دين إسماعيل. فهذا الذي أتاهم بهذه الأوضاع الفاسدة أراد أن يزيلهم عن ذلك الدين الحق {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ} أي: فلا تحزن على هلاكهم بما يفعلونه، لأنه بمشيئة الله: {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} أي: لأن له فيما شاءه حكمًا بالغة: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عِمْرَان 178]، وفيه من شدة الوعيد ما لا يخفى.
تنبيه:
{شُرَكَاؤُهُمْ} فاعل: {زَيَّنَ} أُخِّر عن الظرف والمفعول اعتناء بالمقدَّم، واهتمامًا به، لأنه موضع التعجب، لأنهم يقدمون الأهمَّ، والذين هم بشأنه أَعْنَى. وقرأ ابن عامر وَحْدَهُ: {زُيِّن} على البناء للمفعول الذي هو القتل، ونصب الأولاد، وجر الشركاء بإضافة القتل إليه، مفصولًا بينهما بمفعوله. وقد زيف الزمخشريّ، عفا الله عنه، هذه القراءة، وعد ذلك من كبائر كشافه: حيث قال: وأما قراءة ابن عامر، فشيء لو كان في مكان الضرورات، وهو الشعر، لكان سمجًا مردودًا، كما سمج ورُدَّ:
زَجَّ الْقَلُوصَ أبي مَزَادَهْ

فكيف به في الكلام المنثور؟ فكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته؟ قال: والذي حمله على ذلك أنه رأى في بعض المصاحف: {شُرَكَائِهِمْ} مكتوبًا بالياء، ولو قرأ بجر الأولاد والشركاء- لأن الأولاد شركاؤهم في أموالهم- لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب. انتهى. قال الناصر في الانتصاف: لقد ركب الزمخشريّ متن عمياء، وتاه في تيهاء، وأنا أبرأ إلى الله، وأبرئ حملة كتابه، وحفظة كلامه، مما رماهم به، فإنه تخيل أن القراء أئمة الوجوه السبعة، اختار كل منهم حرفًا قرأ به اجتهادًا، لا نقلًا وسماعًا، فلذلك غلط ابن عامر في قراءته هذه، وأخذ يبين أن وجه غلطه رؤيته الياء ثابتة في {شركائهم}، فاستدل بذلك على أنه مجرور، وتعين عنده نصب {أولادهم} بالقياس، إذ لا يضاف المصدر إلى أمرين معًا فقرأه منصوبًا. قال: وكانت له مندوحة من نصبه إلى جره بالإضافة، وإبدال الشركاء منه، وكان ذلك أولى مما ارتكبه. فهذا كله كما ترى ظنٌّ من الزمخشري أن ابن عامر قرأ قراءته هذه رأيًا منه، وكان الصواب خلافه، والفصيح سواه. ولم يعلم الزمخشريّ أن هذه القراءة بنصب الأولاد، والفصل بين المضاف والمضاف إليه بها. يعلم ضرورة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأها على جبريل، كما أنزلها عليه، ثم تلاها النبيّ صلى الله عليه وسلم على عدد التواتر من الأئمة، ولم يزل عدد التواتر يتناقلونها، ويقرؤون بها، خلفًا عن سلف، إلى أن انتهت إلى ابن عامر، فقرأها أيضًا كما سمعها. فهذا معتقد أهل الحق في جميع الوجوه السبعة أنها متواترة جملة وتفصيلًا عن أفصح من نطق بالضاد صلى الله عليه وسلم. فإذا علمت العقيدة الصحيحة، فلا مبالاة بعدها بقول الزمخشريّ، ولا بقول أمثاله ممن لحَّن ابن عامر، فإن المنكر عليه إنما أنكر ما ثبت أنه براء منه قطعًا وضرورة. ولولا عذر أن المنكر ليس من أهل الشأنين: أعنى علم القراءة وعلم الأصول، ولا يعدّ من ذوي الفنين المذكورين، لخيف عليه الخروج من ربقة الدين. وإنه على هذا العذر لفي عهدة خطرة، وزلة منكرة، تزيد على زلة من ظن أن تفاصيل الوجوه السبعة، فيها ما ليس متواترًا، فإن هذا القائل لم يثبتها بغير النقل. وغايته أنه ادعى أن نقلها لا يشترط فيه التواتر. وأما الزمخشري فظن أنها تثبت بالرأي، غير موقوفة على النقل، وهذا لم يقل به أحد من المسلمين. وما حمله على هذا الخيال إلا التغالي في اعتقاد اطراد الأقيسة النحوية، فظنها قطعية، حتى يردّ ما خالفها. ثم إذا تنزل معه اطراد القياس الذي ادعاه مطردًا، فقراءة ابن عامر هذه لا تخالفه. وذلك أن الفصل بين المضاف إليه، وإن كان عسرًا، إلا أن المصدر إذا أضيف إلى معموله، فهو مقدر بالفعل، وبهذا التقدير عمل. وهو وإن لم تكن إضافته غير محضة، إلا أنه شبه بما إضافته غير محضة. حتى قال بعض النحاة: إن إضافته ليست محضة، لذلك. فالحاصل أن اتصاله بالمضاف إليه ليس كاتصال غيره، وقد جاء الفصل بين المضاف غير المصدر، وبين المضاف إليه بالظرف، فلا أقل من أن يتميز المصدر على غيره، لما بيناه من انفكاكه في التقدير، وعدم توغله في الاتصال، بأن يفضل بينه وبين المضاف إليه، بما ليس أجنبيًا عنه، وكأنه بالتقدير: فكّه بالفعل، ثم قدم المفعول على الفاعل، أضافه إلى الفاعل، وبقي المفعول مكانه حين الفك. ويسهل ذلك أيضًا تغاير حال المصدر، إذ تارة يضاف إلى الفاعل، وتارة يضاف إلى المفعول. وقد التزم بعضهم اختصاص الجواز بالفصل بالمفعول بينه وبين الفاعل، لوقوعه في غير مرتبته، إذ ينوي به التأخير، فكأنه لم يفصل. كما جاز تقدم المضمر على الظاهر إذا حلّ في غير رتبته، لأن النية به التأخير، وأنشد أبو عبيدة:
فَدَاسَهُمْ دَوْسَ الحَصَادَ الدَّائِسِ

وأنشد أيضًا:
يَفْرُكْنَ حَبَّ السُّنْبُلِ الكُنَافِجِ ** بِالْقَاعِ فَرْكَ الْقُطُنَ الْمَحَالِجِ

ففصل كما ترى بين المصدر وبين الفاعل بالمفعول. ومما يقويّ عدم توغله في الإضافة جواز العطف على موضع مخفوضه رفعًا ونصبًا. فهذه كلها نكت مؤيدة بقواعد، منظرة بشواهد من أقيسة العربية، تجمع شمل القوانين النحوية، لهذه القراءة. وليس غرضنا تصحيح القراءة بقواعد العربية، بك تصحيح قواعد العربية بالقراءة. وهذا قدر كاف إن شاء الله في الجمع بينهما- والله الموفق- وما أجريناه في أدراج الكلام من تقريب إضافة المصدر من غير المحضة، إنما أردنا انضمامه إلى غيره من الوجوه التي يدل باجتماعها على أن الفصل غير منكر في إضافته، ولا مستبعد من القياس، ولم نفرده في الدلالة المذكورة. إذ المتفق على عدم تمحضها لا يسوغ فيها الفصل، فلا يمكن استقلال الوجه المذكور بالدلالة- الله الموفق- انتهى كلام الناصر رحمه الله تعالى. اهـ.